يوماً بعد يوم، تزداد الأزمتين المالية والسياسية في لبنان تعقيداً، والأولى بدأت تلامس فعلاً حد الإنهيار الكبير، خصوصاً في ضوء غياب، أي تفاهمات داخلية، وخارجية، لحل الثانية، التي تمهد للخروج من الأولى، ولكن حتى الساعة لا بصيص أمل يلوح في الأفق القريب، وما زاد الطين بلة، هي التطورات الأخيرة في المنطقة، تحديداً بعد اقتراف الولايات المتحدة الأميركية جريمة اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني ورفاقه، والرد الايراني باستهداف قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، الأمر الذي قد يدفع في المنطقة الى احتمالين، إما المواجهة الكبرى بين الحلف الأميركي -الخليجي ومحور المقاومة على امتداد المنطقة، أو قد تفتح باب التسوية بين الفريقين المذكورين، تؤدي في نهاية المطاف الى خروج الولايات المتحدة، أو على تقليص نفوذها في سورية والعراق، والاحتفاظ ببعض القواعد في الأخير، بالتفاهم مع السلطات العراقية. ولكن من الصعب جداً الآن، التكهن بشكل الصورة التي يرسو عليها الوضع الاقليمي، والتموضعات الجديدة في المنطقة.
وفي إنتظار جلاء هذه الصورة، و تثبيت التموضعات الجديدة، على ما يبدو سيبقى لبنان في ثلاجة الانتظار، ولم يطف على السطح أي حلٍ للأزمتين المذكوريتن آنفاً، ما ينذر أن الوضع المعيشي المتردي، سيزداد سوءاً وتعقيداً، وليس بعيداً أن يكون ذلك متعمداً من بعض الجهات الدولية المؤثرة في البلد، لكي تزيد الأمور تعقيداً، يستدعي تدخلاً دولياً لحلها، ساعتئذ قد يصار الى عقد تسوية أو تفاهم أو تعديل دستوري، يتماشى مع التموضعات المستقبلية - الاقليمية حول لبنان، والمؤثرة فيه.
من هنا، تسعى القوى السياسية اللبنانية الى رص صفوفها، وتعزيز حضورها، من أجل تأمين ديمومتها في المرحلة المقبلة، وكي لا يدهسها قطار التسوية الاقليمية المفترضة.
لاريب أن إمكان التوصل الى تفاهم سياسي لبناني، على تأليف حكومة جامعة في الوقت الراهن أو المدى المنظور، لايزال بعيد المنال، وسط الصراعات والتجاذبات الدائرة حول البلد، والمنعسكة على الأوضاع فيه، خصوصاً السياسية والاقتصادية. أمام هذا الواقع، وكل ماذكر آنفاً من تعقيدات للأوضاع في الداخل والإقليم، جاءت دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لحكومة تصريف الأعمال ورئيسها سعد الحريري، الى القيام بالمقتضى الدستوري، وتحمل المسؤولية في هذه الظروف المعيشية الخانقة من جهة، وفي الوقت عينه محاولة رئيس المجلس الحفاظ على التوازن السياسي القائم المعروف"بحكم الطائف" منذ العام 1990، الذي يشكل الثنائي بري- الحريري، أبرز ركائزه من جهة ثانية.
أضف الى ذلك أن الكمياء مفقودة بين بري والرئيس الحكومة المكلف حسان دياب، بحسب تأكيد مصادر عليمة. وترى بدورها أن بري قد يهدف في دعوته المذكورة الى تحقيق هدفين، هما: تعويم الحكومة المستقيلة، لمواكبة الظروف الراهنة، ومحاولة الحد من تدهور الحالتين المالية والمعيشية، كذلك إعادة الحريري الى الواجهة، ودفعه الى تحمل المسوؤلية، والسعي الى تثبيت التوزان الوطني في الشأن الحكومي، من خلال إعادة تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة، اذا تسثنى لبري ذلك، حتى لو تعذر على الحريري "التأليف" في المدى المنظور، تختم المصادر.
وفي هذا الصدد، يرى مرجع سياسي قريب من فريق الثامن من آذار، أن حظوظ نجاح دياب في تأليف حكومته المرتقبة، باتت ضعيفة في ضوء مختلف التطورات المذكورة آنفا، وأن بري الذي كان ولايزال متمسكاً مع حليفه حزب الله، منذ الأساس بالحريري، نظراً للظروف الدقيقة الذي يمر بها لبنان والمنطقة بأسرها، وقد وجد رئيس البرلمان في حدث اغتيال سليماني وتداعياته على لبنان، الظرف المناسب لاعادة تعويم التركيبة السياسية التي تناوبت على حكم البلد نحو ثلاثين عاماً، ويشكل رئيس المجلس النيابي، أحد دعائمها الرئيسية، يختم المرجع.
في المقابل، تعتبر مصادر على تواصل مع نواب وكوادر حزب الله، أن من المبكر، إطلاق الأحكام المسبقة، في شأن نجاح دياب في تأليف الحكومة، أو فشله، في إنتظار ما تؤول إليه الأمور في اليومين المقبلين، مرجحةً أن هناك فرصة لاتزال مقبولة لامكان نجاح دياب في مهمته. كذلك تدعو الى ترقب ما سيفصح عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته المرتقبة في الساعات القليلة المقبلة، لأنها بالتأكيد ستؤشر الى معرفة بوصلة إتجاه الوضع الحكومي وسواه، تختم المصادر.